لمّا فُرِضت الصلاة على المسلمين، كان لِزاماً أن يتحدّد مكان وجهتهم التي يُصلّون نحوها؛ لتكون صلاتهم منظمة ومنضبطة بوجهةٍ دقيقة، فأمرهم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالتَّوجُّه تِلقاء المسجد الأقصى المبارك في القدس الشريف؛ وذلك للتدليل على أهميّة المسجد الأقصى المبارك والقدس الشريف ومكانتهما عند الله سبحانه وتعالى، أمّا كون المسجد الأقصى هو قِبلة المسلمين الأولى قبل مكّة المكرمة، ثمّ تحويلها تلقاء مكّة المكرمة بأمرٍ إلهيٍّ بعد ذلك، فإنما كان هدفه ترسيخ مكانة المسجد الأقصى المبارك في قلوب المسلمين، ممّا يستدعي تكثيف الجهود لإبقائه تحت أيدي المسلمين مهما مرّت به الأحداث وعصفت به الأهوال، وما إمامة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بالأنبياء يوم الإسراء والمعراج إلا زيادة في التدليل على ذلك لدى المسلمين، وجعله أحد الرّوابط التي تربط المسلمين ببعضهم، ممّا يعني تفرُّد المسجد الأقصى المبارك بمكانةٍ لم ينلْها مسجد غيره بعد المسجد الحرام.[١]
وبعد أن استقرّت قِبلة المسلمين إلى مكّة، ينبغي على المسلم إذا أراد أداء صلاة نفلٍ، أو سُنّةٍ، أو فرضٍ، فإنّ عليه أن يتحرك مكان القِبلة الدقيق، فما هي الطريقة التي يُمكن من خلالها تحرّي مكان القِبلة، خاصّة إذا كان بعيداً لا يراها عياناً؟ هذا وغيره من الأسئلة ستجيب عنه هذه المقالة بعد توفيق الله.
معنى القِبلةالقِبلة هي الجهة، والمُراد بها الكعبةُ المُشرَّفة في مكّة المكرمة؛ حيث إنّ المسلمين يستقبلونها ويتَّجهون نحوها في صَلاتهم حتى تُقبل منهم، وأولى القِبْلَتين: القُدْس، والقِبْلَتان: هما المسجد الحرام -الكعبة المُشرَّفة- في مكَّة المكرَّمة، والمسجد الأقصى في القدس الشَّريف.[٢]
مشروعيّة القِبلةاتّفق الفقهاء جميعهم بلا استثناء على أنّ استقبال القِبلة -مكّة المكرمة- شرطٌ لا بدَّ من توفره حتى تكون الصلاة صحيحةً مقبولةً؛ وذلك لقول الله تعالى: (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ).[٣] وقد استثنى الفقهاء اشتراط استقبال القِبلة في الصلاة في حالتين منفردتين، هما: الخوف الشديد، والحالة الثانية أن يصلّي مسافرٌ صلاة نافلة وهو على ظهر راحلته.[٤]
كيفيّة معرفة اتجاه القِبلةفي غير الحالتين السابقتين لا بُدَّ من استقبال القِبلة، وتبطل الصّلاة لمن لم يتَّجه نحوها مع علمه بها، أما كيفيّة تحديد اتِّجاه القِبلة فيختلف باختلاف حال ومكان من يريد الصلاة، وبيان ذلك فيما يأتي:[٤]
وضَّح علماء الفلك المعاصرون طريقة تحديد جهة القِبلة التي هي مكّة المكرمة بواسطة الشمس، حيث إن الشمس تتحرك إلى جهة شمال خط الاستواء وجنوبه، وذلك في فصلي الشتاء والصيف، وتقع مكّة المكرمة إلى الجهة الشماليّة من خط الاستواء؛ ممّا يعني أن الشمس ستمر بمكّة المكرمة مرتين في السنة الواحدة، وذلك أثناء حركتها إلى الجهة الشماليّة من خط الاستواء، وأثناء عودتها إلى نقطتها التي تحركت منها، وعند دخول وقت صلاة الظهر حسب توقيت مكّة المكرمة فإن الشمس تكون بشكلٍ عمودي تماماً فوق مكّة المكرمة -الكعبة المشرفة- والناظر إلى الشمس في تلك اللحظة يكون في الحقيقة مستقبلاً للقِبلة؛ لأن الشمس حينها تكون فوق مكّة، أما طريقة تحديد جهة القِبلة بالاستعانة بحركة الشمس فهي على النحو الآتي:[٦]
من أهمّ الدّلائل وأقواها لتحديد اتجاه القبلة هو نجم القُطب الشماليّ؛ وذلك بجعل هذا النجم خلف أُذُن المُصلّي اليُسرى لمن يُصلّي في مصر، وخلف الأذن اليُمنى لمن يُصلّي في العراق، وينبغي على من يُصلّي في الشام أن يجعل هذا النجم وراءَه، أمّا من يُصلّي في اليمن فعليه أن يجعله قبالتَه تالياً جانبه الأيسر.[٤]
القِبلة - قيمة دينيّة وشريعةٌ تعبُّديَّةيتساءل الكثير من الناس عن سبب تشريع التَّوجه إلى مكّة المكرمة تحديداً، ولماذا ينبغي التوجه إلى قِبلةٍ معينة، حيث إن المسلم مهما توجه فإنه سيلقى الله تجاهه، وفيما يأتي الإجابة على هذين الاستفسارين تحديداً.
الحكمة من مشروعيّة تحديد قِبلة للمسلمينلا شكَّ أن لكل ما شرعه الله سبحانه وتعالى على عباده حكمةٌ ظاهرةٌ أو غير ظاهرة، وما ينبغي على المسلم لقاء تلك التشريعات هو التسليم المطلق مع الالتزام بالتطبيق كما جاءت عن الأنبياء والمرسلين دون طلب معرفة سبب تشريعها، أما الحكمة من تحديد قِبلةٍ ثابتةٍ لأجل التوجه إليها وقت الصلاة فلأنّ أي إنسانٍ في كافة ظروفه وأحواله إذا ما أراد شيئاً فلا بدَّ له أن يتوجه جهة ذلك الشيء، وأشرف الجهات إطلاقاً هي الكعبة المكرمة عند المسلمين، لذا كان التَّوجة إلى الكعبة المشرفة تحديداً في وقت أداء الصلاة.[٧]
الحكمة من التوجه للكعبة المشرفة دون غيرهاينبغي على المسلم التسليم بأوامر الله دون البحث عن أسبابها ومسبباتها؛ حتى يكون مستسلماً إلى الله عن رغبةٍ وتسليمٍ مطلق بما أمر به عباده، ويمكن استنتاج عدة حكمٍ من حصر قِبلة المسلمين في الكعبة المشرفة دون غيرها من الأماكن، ومن تلك الحِكم ما يأتي:[٧]
المقالات المتعلقة بكيف أعرف اتجاه القبلة